الرايس: قصة لكمال أحود

Publié le par Assahib

 

 

الرايس

قصة قصيرة من إنتاج كمال أحود

 

فتر فوه على بسمة عريضة و التفت نحوه وقال في صوت رخو: أ نمت و قد سار القوم؟

 

انتبه من غفلته مشدوها لِما سمع، لم يكن يدري عن أي شيء يتحدث، و لا إلى أين كانت وجهة القوم؟ في حين ظل هو مستلقيا على سريره دون أن ينبس بكلمة. ثم ما لبث أن عاوده قائلا:

 

أ لم تعلم أن الكل على موعد مع السيد الرئيس؟!

 

لم يفهم شيئا، فعن أي رئيس يتكلم؟ و لما ذا هب الجميع لمقابلته؟! و لكي يفهم تيقظ و جلس قبالة صديقه، أدخل يده في جيبه ثم خرج بسيجارة أشعلها من ذبالة الشمعة المتقدة على منضدة السرير، و بعد نفسين عميقين هبَّ واقفا و بدأ يذرع المسافة الفارغة في الغرفة جيئة و ذهابا ثم فجأة توقف على رأس صديقه و حاول أن يقول شيئا لكن كلماته لم تطاوعه و بدا التردد و الحيرة على محياه، تراجع خطوتين إلى الوراء فوجد نفسه محاصرا بذلك المكتب المهترئ الذي نضد عليه كل رأس ماله من الكتب و المجلات و .... و في مكان فارغ منه وضعت صينية الشاي، امتدت يده إلى الإبريق ليصب كأس شاي حرص على أن يكون مرغيا فارتفعت يده أعلى ما يمكن... رشف رشفة و تلمظ شفتيه ثم تناول الكرسي المثبت إلى جانب المكتب و تقدم به نحو السرير الذي استلقى عليه صديقه، جلس و اعتدل في جلسته ثم قال:

 

من هذا الرئيس الذي هبَّ القوم عن بكرة أبيهم لملاقاته؟! أيَّ رئيس تعني؟! لقد كثر الرؤساء في زماننا هذا، و كثر المتحلقون حولهم إلاَّ أنهم غثاء، إن نفشت فيهم تطايروا و إن أنت تركتهم ذابوا، إنهم هلام!

 

لم أكن أعلم يا صديقي، أن كلمة رئيس بإمكانها أن تهز كيانك كل هذا الهز... و لا أظنك نسيت انتخابات أمسٍ و ما أسفرت عنه من نتائج... و لا أحسبك نسيت الحاج عبد القادر الكريبعي بجلابته الناصعـــــــــة و طربوشه الأحمر القاني و بلغته الزيوانية و جوربيه البيضاوين؛ أنسيت تلك الصورة الفولكلورية التي جلس بها الحاج، و حوله " لحاسين الكابَا " و سماسرة الصناديق و الأصوات، أمام تلك الجموع الغفيرة من سكان الحي؟!

 

واش أو انجح الحاج الكريبعي؟! كيف دار ليها؟!

 

الرجل بفلوسو،أرى ذاك الراس انبوسو، و راه اشرى ابلاصتو ابحال ...!

 

إوى رايس هذا! قال قولته هاته و توجه نحو النافذة المطلة على الشارع، وجده فارغا إلا من عربيد يترنح،  و قد أضفت الأنوار المنبعثة من مصابيح الإنارة العمومية جمالية زائدة على المنظر حتى بدا المشهد لقطة سينمائية... ثم قال مستغربا: لقد نمت و سار القوم فعلا! استغرب فراغ الشارع في مثل هذا الوقت...لكن أين ذهب الناس؟! خال أول الأمر أن الشاشة الصغيرة تبث إحدى مقابلات المونديال الساخنة، ثم توهم عرض مسرحية الموسم في مسرح البلدة غير الموجود! عبر ذهنه افتراضات أخرى ثم عاد إلى الرئيس، إيه نعم الرايس! لم يرد أم يفكر في كيفية وصول الرجل إلى هناك، فقط تخيل مصالح الناس يقرر فيها مثله! هو الذي لم ينل قسطا و لو نزرا من التعليم!...

 

تناول نظارته، ركزهما، ثم فتح الباب و خرج... أسرع الخطى قاصدا مقر البلدية عساه يرى هناك ما قد يخرجه من هذه الحيرة التي تملكته... و على مشارف المقر ترامى إلى أذنيه الهتاف و الزغاريد و ... و عادت إليه ثانية صورة منافسة رياضية و قد حمى وطيسها، و حمى معها التشجيع، لكن ظنه خاب هذه المرة أيضا و هو يرى الرايس في نفس صورته الفولكلورية... حاول أن يفهم ما يقوله سيادة الرئيس، لكن عبثا كانت المحاولات... أدار ظهره للرئيس و هو يقول: كنت محقا إذ نمت، و سلام عليك بلادي!!

 

كمال أحود

 

  

 

 

 

 

Publié dans assahib

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article