قراءة في قصيدة صيف لمصطفى المعداوي

Publié le par OUHOUD

عنوان الدرس :         تكسير البنية :

طيف     مصطفى المعداوي

   المراجع : ـ في رحاب اللغة العربية . السنة الثانية من سلك البكالوريا – مسلك الآداب والعلوم الإنسانية .

الكفايات المستهدفة :

  • تواصلية : التواصل مع قضايا أدبية مختلفة وأنماط النصوص الشعرية والنثرية الحديثة.
  • منهجية   : توظيف القراءة المنهجية وتحديد الإشكالات وتفكيك الخطاب، وتوظيف المعارف اللغوية والبلاغية والأسلوبية في وضعيتي التلقي والإنتاج.
  • ثقافية : تعرف مسار تطور الشعر العربي، والإلمام بالاتجاهات والمدارس الشعرية.
  • كفاية استراتيجية: تعزيز القيم الوطنية والمثل العليا والاعتزاز بالهوية الثقافية والحضارية مع الانفتاح على القيم الإنسانية.

تأطير النص في سياقه العام:

        لم يعد من الممكن أن تستمر القصيدة العربية على نفس الوثيرة التي بلغتها من التيار الوجداني في شعرنا الحديث، وقد استجدت في الواقع العربي أحداث جسام تؤطرها النكبة والنكسة (1948 – 1967) وقبلها نتائج الحرب العالمية الثانية التي تركت بصمتها على العالم العربي، وإذا أضفنا إلى كل هذا التنوع الثقافي الذي أطر ثقافة الشعراء خلال هذه المرحلة، استطعنا أن نفهم عمق التحول الذي طال القصيدة العربية شكلا ومضمونا مع حركة الشعر الحر، فقد انفتح هؤلاء الشعراء على الثقافة الغربية المعاصرة وبخاصة الفلسفة الوجودية والواقعة الاشتراكية إلى جانب التأثر بكبار الشعر الغربي من أمثال ت.س إليوت وبابلو نوريدا ولويس أراغون وغيرهم ولم يقف تأثرهم عند الشعر وإنما انفتحوا على أجناس أدبية أخرى كالرواية والمسرح، بل على ثقافات ضاربة في القدم كالبابلية الآشورية والفارسية واليونانية الرومانية وغيرها، دون أن يضربوا صفحا على ثقافة أمتهم التي رجعوا فيها إلى تجارب وأصوات لو يُلتفت إليها قبلهم كالشعر الصوفي والتراث السردي المتمثل في حكايات ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة والسير الشعبية.

        وقد مثل هذه التجربة في مهدها ثلة من شعراء العراق أهمهم بدر شاكر السياب ونازك الملائكة والعبد الوهاب البياتي، ثم انتقلت حركة الشعر الحر إلى باقي البلاد العربية فكان من رواد الحركة في مصر صلاح عبد الصبور وأمل دُنْقُل وأحمد عبد المعطي حجازي وفي سوريا علي أحمد سعيد (أدونيس) وفي لبنان خليل حاوي، أما في المغرب فقد كان من رواد الحركة أحمد المعداوي ومحمد بنيس وعبد الله راجع ومحمد الخمار الكنوني وغيرهم.

        وقد سعى رواد حركة الشعر الحر إلى خرق كل القواعد الشعرية التي انبنت عليها القصيدة العربية في نظامها القديم المعتمد على الشطرين المتناظرين والواقعة تحت مجموعة من الحدود منها وحدة الوزن والقافية والروي والتصريع وغيرها ممَّ لم يرَ فيه هؤلاء الشعراء سوى قيودٍ تحد من إبداعيتهم، فاستبدلوا نظام البيت بنظام السطر الشعري، الذي أتاح لهم مجموعة من الإمكانات غير المسبوقة.

        فما هو نوع التحول الذي طرأ على القصيدة العربية مع تجربة الشعر الحر، وما هي أهم العناصر التي طالها التغيير في هذا الشكل الجديد حتى استحق تسميته بتكسير البنية؟

ولا شك أن الشكل الطباعي للقصيدة التي بين أيدينا يعطينا نظرة على حجم التحول الطارئ على القصيدة العربية بعد انتقالها إلى نظام السطر الشعري؛ فقد اختلفت الأسطر طولا وقصرا ما يدل على اختلاف الوزن، كما نلاحظ تعدد القافية والروي، ثم إنها انتظمت في ستة مقاطع شعرية اختلفت هي الأخرى في عدد أسطرها.

أما العنوان، فلم يتعدَّ كلمة واحدة جاءت نكرة <<طيف>>، لذا كانت خبرا مبتدؤه محذوف تقديره <هذا> أما دلاليا فيحيل على الشيء غير الواضح المعالم أو الشيء الذي لا يحضر إلا في الخيال.

يبدأ الشاعر المغربي مصطفى المعداوي (1937- 1961)، قصيدته بدعوة الطيف إلى زيارة خياله لأن له في خاطره قصيدة وذكرى مازالت طرية في ذاكرة الشاعر، وزيادة في الإطراء يصف الشاعر الطيف في المقطع الثالث باللحن المزغرد الطروب، الذي لم يستمع لنداء الشاعر فغادره مودعا ورغم رجاء الشاعر وإغرائه للطيف فإن هذا الأخير أصر على مغادرته.

وقارئ القصيدة يكتشف أيضا التحول الحاصل على مستوى المعجم حيث اختفى ذلك المعجم التراثي الذي ساد مع التجربة الإحيائية، واستعاض عنه الشعراء بتوظيف الرمز وقد كان في هذه القصيدة من مصدر لغوي حيث وظفت ألفاظ لغير معناها المعجمي.

ويهيمن على النص حقلان دلاليان يحيل أحدهما على الطيف والثاني على تفاؤل وأمل الشاعر، وللتوضيح ندرج عبارات دالة عليهما في الجدول اسفله،

حقل أمل الشاعر وتفاؤله

حقل الطيف

  • غذيتها بمشاعري
  • شعاع أمسية بعيدة
  • أرى الحياة على شفاهك تبتسم
  • الصباح أطل
  • الزهو انتشى
  • فجرها المتوثب
  • أيها الطيف المرفرف
  • يا طيف سعد عابر
  • يا أيها الطيف الملوح كالشعاع
  • يأيها اللحن الطروب
  • يا أيها المودع ربعنا

وتجمع الحقلين علاقة ترابط وتكامل لأن تفاؤل الشاعر لن يتحقق إلا باستجابة الطيف لنداء الشاعر وتوقفه عنده.

وعلى المستوى الإيقاعي، نشرع بداية في تقطيع بعض أسطر القصيدة حتى نقف على التفعيلة التي اعتمدها مصطفى المعداوي وحدة موسيقية لقصيده،

يــا أيــــــــها الــطيــــف الــــمرفـــــرف فـــــــــوق أهــــــــــــــداب الخميلــــــــــة

متفاعلاتن

 

متفاعلن

متفاعلن

متفاعلن

__ 0 __ 0 __ __ 0 __ 0 __ 0 __ __ 0 __ __ __ 0 __ __ 0 __ 0 __ 0 __ __ 0 __  0

 

 

اعتمد الشاعر إذا على تفعيلة بحر الكامل وقد أجرى عليها علة الإضمار والترفيل

وقد تعددت القافية في القصيدة فجاءت مترادفة ومتواترة ومتداركة، كما تعدد الروي فكان نونا وراء وميما وجيما و لاما... والملاحظ أيضا أن مجموعة من الأسطر الشعرية في القصيدة لا تنتهي بوقفة دلالية، حيث ينتهي السطر ويستمر المعنى.

وتوكد هذه العناصر التحول الكبير الذي حدث على مستوى شكل القصيدة وتكسيرها للبنية.

وعلى مستوى الإيقاع الداخلي فنجد الشاعر يوظف التوازي في السطرين (37 و38) حيث تشابهت الجملتان في التركيب وفي عدد الوحدات المعجمية المؤلفة لهما (عد للمكان... لقلبي المتأجج/ عد للوشاح، لسحرك المتموج) وبين السطرين (42 و43).

واعتمد الشاعر، أيضا، كثيرا من التكرار في القصيدة، من أمثاله:

  • تكرار التطابق: الطيف/ قصيدة/ حمامة...
  • تكرار التجانس: الخميلة= جميلة/ بعيدة= سعيدة/ تموجها= المتموج
  • تكرار الصيغة الصرفية: عابر= سائر/ المتموج= المتأجج
  • تكرار الحرف: (الميم): مرفرف – مموج – مودع – مغرد – متوثبة... (الراء): عابر- ناظري – مشاعري – غجرية... (السين): ابتسامات – سعد – أمسية – تبتسم – نسمة... (اللام): الخميلة – الجميلة – السلام – قلبي – حالمة...

وقد أدت هذه الأنواع من التكرار والتوازي في القصيدة وظيفة تأكيدية وأخرى بلاغية تمثلت في إضفاء مسحة جمالية على القصيدة، ووظيفة إيقاعية من خلال الحفاظ على نفس المقاطع العروضية.

أما الصور الشعرية في القصيدة، فنؤكد بداية بأن القصيدة تشكل صورة كلية إذ تحيل على الحال النفسية التي يوجد عليها الشاعر وهي حال ترقبِّ أمل مُغادر. ومن الصور التي يمكن الوقوف عليها في القصيدة، ما ورد في السطر السابع عشر (17) حيث شبه الشاعر الطيف بالشعاع في تشبيه ذكرت أداته وحذف وجه الشبه فيه. ولأن طرفي التشبيه معنويان كانت الصورة مفردة. وفي السطر العشرين (20) حين جعل الشاعر الحياة تبتسم وهو يضفي عليها صفة إنسانية، فجعل الحياة إنسانا يتبسم حيث حذف المشبه به ورمز إليه بما يدل عليه (الابتسام)وقد كانت الصورة مركبة لأن طرفيها مختلفان. ولا شك أن الصورة التجسيدية هي الصورة الغالبة في القصيدة كما في قول الشاعر (الصباح أطل/ الزهو انتشى/ الطيف المودع/ اللحن المزغرد/ هلا مررت بخاطري...) وقد لعبت الصورة الشعرية وظيفة تعبيرية أفصح من خلالها الشاعر عما يعتمل في دواخله.

وعلى مستوى الأساليب يلاحظ أن مصطفى المعداوي، قد زاوج بين الأساليب الخبرية والإنشائية، وقد كانت الإنشائية في مجملها طلبية لأنها اعتمدت على النداء، الذي استلزم الاستغراب والدهشة. وتوزعت الأساليب الخبرية بين الإثبات والنفي.

لقد كانت قصيدة مصطفى المعداوي، تمثيلية للتحول الذي عرفته القصيدة العربية على مستوى الشكل الطباعي، وهي تنتقل من نظام البيت الشعري إلى نظام السطر، الذي أتاح للشاعر حرية أكثر وهو يتحرر من وحدة الوزن ووحدة القافية ووحدة الروي ووحدة المعنى، كما أنها انتظمت في مقاطع شعرية اختلفت في عدد أسطرها اختلاف الأسطر طولا وقصرا.

ولا شك أن المضمون يرتبط ارتباطا وثيقا بالشكل، كما ذهب إلى ذلك كثير من الباحثين والدارسين، ولم يعد الشاعر يُعنى بتلك الأغراض الشعرية التي احتفى بها شعرنا القديم واستعادها البعثيون، وإنما ارتبطت القصيدة لدى هؤلاء الشعراء الشباب بالواقع الذي يعيشونه والذي تهيمن عليه كثير من السلوكيات السلبية.

أما لغة القصيدة فقد ابتعدت كثيرا عن القداسة والرصانة، واقتربت من لغة اليومي مع اللجوء إلى توظيف الرمز الذي تعددت مصادره. 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article