إنشاء أدبي حول مقطع من رواية اللص والكلاب الثانية بكالوريا آداب وعلوم إنسانية

Publié le par OUHOUD

ورد في رواية اللص والكلاب، ما يأتي:

 

                           " وساد الصمت، فدبَّت الحياة خارج الكُُوَّةِ التي يسيل منها القمر. ورتَّل الشيخ بصوت هامس:" إن هي إلا فتنتك" وقال سعيد إن الشيخ سيجد دائما ما يقوله. وبيتك يا مولاي غير مأمون وإن تكن أنت الأمان نفسه. وعليَّ أن أهرب مهما كلفني الأمر. وأما أنتِ يا نور، فلتحفظكِ الصدفة إن أعوزكِ العدل والرحمة..."

تجيب محفوظ

اللص والكلاب. دار الشروق مصر. ط 1. 2006 ص 117

المطلوب:

  1. وضع المؤلف في سياقه العام
  2. تحديد موقع المقطع ضمن المسار العام لأحداث الرواية
  3. إبراز سمات القوى الفاعلة الآدمية الواردة في المقطع والعلاقة القائمة بينها، وبيان دورها في نمو أحداث الرواية وتطورها
  4. تركيب المعطيات المتوصل إليها في التحليل لإبراز قيمة الرواية.

الإجابة،

            يًجمِع النقاد والدارسون على أن رواية اللص والكلاب، للروائي المصري الكبير، صاحب نوبل للآداب سنة 1988، قد بصمت إلى جانب إبداعات أخرى للكاتب، على تحول في الكتابة الروائية، اتسمت أساسا بالرمزية، ومنها: الشحاذ والسمان والخريف وثرثرة فوق النيل وأولاد حارتنا، وغيرها من الروايات التي كتبها نجيب محفوظ بعد ثورة الضباط الأحرار.

            إن رواية اللص والكلاب إذاً، تتوسل بالرمزية لأجل أن تصف لنا التحول الذي عرفه المجتمع المصري في مرحلة ما بعد الثورة، وتخليه عن كثير من قيمه ومبادئه التي ناضل لأجلها.

            وإذا كانت رواية اللص والكلاب تقدم لنا سعي بطلها سعيد مهران إلى الانتقام من الخونة الثلاثة عليش ونبوية وعلوان، فإن المقطع بين أيدينا يأتي بعد الخيبة التي مني بها سعيد مهران وهو يخرج من بيت عليش بخفي حنين؛ لا سناء ولا مال ولا كتب، قد سُدَّت في وجهه كل المنافذ، فلم يجد بُدّا من التوجه إلى مقام الشيخ علي الجنيدي، وقد أنهكه العياء والجوع، حيث سيقضي ليلته الأولى هناك، قبل أن تفتح نور به بيتها ملاذا.

            فما هي القوى الفاعلة الآدمية الواردة في هذا المقطع، وما هي سماتها وما العلاقة التي تجمع بينها، وما الأدوار التي لعبتها في نمو الحدث وتطوره؟

            بداية نصادف في هذا المقطع بطل الرواية سعيد مهران، وهو شاب مصري عصامي، تعرض للخيانة من أقرب الناس إليه، زوجه نبوية وصبيه عليش ومعلمه رؤوف علوان. دخل السجن بوشاية من عليش، الذي تزوج نبوية بعد طلاقها. بعد خروجه من السجن وجد نفسه وحيدا في مواجهة الخونة، ويحاول جاهدا الانتقام منهم واحدا تلو الآخر. بات الخوف والقلق وعدم الإحساس بالأمان ديدنه.

            أما الشيخ علي الجنيدي، "فرجل دين"، منسحب من الحياة العامة منشغل بأوراده وموالده التي يقيمها في المقام. هادئ مطمئن، شكل مقامه في الجبل بين الحين والثاني الملجأ لسعيد؛ ففيه قضى ليلته الأولى وإليه توجه بعد ارتكابه للجريمة ونحوه كان ينوي الذهاب قبل محاصرته في المقبرة.

            وقد كانت علاقة سعيد بالشيخ الجنيدي علاقة ود واحترام وتقدير، فقد كان الشيخ صديق والد سعيد، لذا بادله الشيخ باحترامه عطفا وحنانا وتقديم النصح له.

            وكانت تور، الهدية التي أرسلها القدر إلى سعيد، مدت له يد المساعدة دون قيد أو شرط، آوته في بيتها، رغم إحساسها بالظلم والقهر والحرمان، لقد تعودت على أن تعطي أكثر مما تأخذ.

            أما نور فكانت علاقتها بسعيد علاقة حب سعت من خلالها استرجاع ما فات بعد أن فضل سعيد نبوية عليها وقد كانت في وئام تام مع سعيد قبل أن تختفي على الأنظار.

            وقد لعبت كل من نور والشيخ علي الجنيدي دورا مهما في نمو أحداث الرواية وتطورها من خلال الدعم والمساندة التي وفراها لسعيد وهو في مسعاه إلى الانتقام من الخونة، وباعتبارهما كانا الملاذ والملجأ الذي يفتح في زجه سعيد كلما أغلقت في وجهه كل الأبواب.

            لقد كان الشيخ علي الجنيدي ونور عاملين مساعدين لسعيد مهران، الأول بما قدمه له من شحنة روحية، في واقع مادي اختلطت فيه كل المصالح، والثانية بما وفرته لسعيد من مأوى قبل اختفائها، فشكلا بذلك دعما نفسيا كان سعيد في أمس الحاجة إليه بعد أن تخلى عليه الأقربون.

            ولا شك في أن رواية اللص والكلاب، كانت بحق عملا متميزا، استطاع أن يجعل من حدث واقعي عملا روائيا متميزا ارتكز على شخصية البطل/ سعيد مهران، وسعى من خلاله الكاتب إلى بيان براعته الإبداعية إن على مستوى توظيف تقنيات سردية مختلفة (التسلسل والاسترجاع) أو من خلال توظيف التعدد اللغوي من خلال اختلاف خطابات الشخصيات (الخطاب الديني / الخطاب التبرير / الخطاب الثوري...) ثم بطبيعة الحال توظيف الرمز، إذ وُظِّفت لفظتا الكلاب واللص لتدلا على غير معناهما الحقيقي، وهو ما يؤكد انتماء الرواية إلى الرمزية كما أكد على ذلك كثير من الدارسين.

             

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article