وجدان الشاعر أحمد المعداوي

Publié le par OUHOUD

النص النظري الثاني

وجدان الشاعر

أحمد المعداوي

تأطير النص في سياقه العام:

       لم تستطع حركة البعث والإحياء أن تستمر بنفس النفس الذي بدأت به خلال نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، لأسباب عدة منها التحول الذي شهده المجتمع العربي مع ظهور الحرمات التحررية وبداية رجوع البعثات الطلابية من الغرب وقد تأثروا بكثير من الأدباء الغربيين وعلى رأسهم رواد المدرسة الرومانسية من أمثال فيكتور هوجو وشكسبير وغوته وغيرهم.

لقد عمل الاتجاه الوجداني على نقض كل ما بنته الحركة الإحيائية التي بنت مجدها على استعادة خصائص شعرنا القديم حتى جاءت أشعارهم مطابقة لأشعار القدماء حدَّ التماهي معها.

وجدير بالإشارة إلى أن التيار الوجداني في شعرنا الحديث مثلته ثلاث حركات كانت أولاها حركة الديوان التي أسسها عباس محمود العقاد مع بداية عشرينيات القرن الماضي، وتحديدا سنة 1921، ثم سرعان ما انضم إليه فيها كل من عبد الرحمن شكري وإبراهيم عبد القادر المازني، وقد اتفق ثلاثي الديوان على أن الشعر وجدان.

وفي سنة 1923، تأسست في المهجر جماعة ثانية بزعامة كل من ميخائيل نُعيمة وجبران خليل جبران ثم التحق لهما كوكبة من أدباء وشعراء الشام من أمثال إيليا أبي ماضي وعبد المسيح حداد ونسيب عريضة وغيرهم. وقد عمل أصحاب هذه الحركة على توسيع مفهوم الوجدان من حلال ربطه بالمفهوم الصوفي الحلول ووحدة الوجود.

وكانت جماعة أبولو، التي أسسها الشاعر المصري أحمد زكي أبو شادي، آخر هذه الجماعات التي دعت إلى التحرر من القيود التي يفرضها الشعر القديم على الشعراء فيحد من إبداعيتهم. وقد انضم إلى هذه المجموعة شعراء من باقي الأقطار العربية من مصر وتونس والمغرب والعراق وغيرها.

ويمكن إجمال خصائص التيار الوجداني الداعي إلى التحرر من قيود الشعر القديم، في ما يأتي:

  1. التعبير عن تجربة شعورية ذاتية صادقة يطغى عليها الشعور بالحزن.
  2. الدعوة إلى التجديد في الأوزان (استعمال البحور المجزوءة).
  3. تحقيق الوحدة العضوية المتمثلة في (وحدة الموضوع وترابط الأفكار و وحدة الجو النفسي)، بدل الوحدة العضوية بمفهومها السابق.
  4. الاهتمام بالخيال.  
  5. الامتزاج بالطبيعية ومناجاتها وتصويرها.
  6. سهولة الألفاظ وعذوبتها وحيويتها، حتى اقتربت لغة الشعر عندهم من لغة اليومي.
  7. التنويع في القافية والرويّ.   

 وانطلاقا من عنوان النص "وجدان الشاعر" ومصدره ظاهرو الشعر الحديث"، نفترض أن يتناول فيه الكاتب سمات التحول الذي عرفته القصيدة العربية مع التيار الوجداني، وكيف حدد رواد هذا الاتجاه مفهوم الوجدان.

ومن خلال قراءتنا للنص، يمكننا التأكيد على أن القضية المحورية التي يطرحها تتمثل في تقديم الجماعات التي مثلت التيار الوجداني في شعرنا العربي الحديث، وبخاصة جماعتي الديوان والرابطة القلمية وكيفية فهم روادهما لمفهوم الوجدان.

وقد توزعت هذه القضية إلى الأفكار الجزئية الآتية:

  1. تأكيد الكاتب على أن نشأة التيار الوجداني كان ردَّة فعل على مذهب الإحيائيين، رغم اعترافه بوجود أسباب سياسية واجتماعية.
  2. انطلاق ممثلي جماعة الديوان من أن الشعر وجدان واختلافهم في تحديد مفهومه.
  3. اختلاف شعراء التيار الذاتي في تحديد مفهوم الوجدان يؤكد اختلاف أشعارهم.
  4. تشبع رواد التيار الذاتي بالفكر الحر أتاح لهم التعبير عن أنفسهم باعتبارها قيما إنسانية.
  5. شعراء المهجر وبخاصة نُعيمة وجبران وسعوا مفهوم الوجدان ليشمل الحياة والكون.

 وحتى يتضح لنا بشكل جلي معنى الوجدان عند هؤلاء الرواد، نؤكد على أن معجم النص يتوزعه أربعة حقول دلالية هي كالآتي:

حقل الوجدان عند العقاد

حقل الوجدان عند شكري

حقل الوجدان عند المازني

حقل الوجدان عند شعراء المهجر

الوجدان هو

مزاج من الشعور والفكر

الوجدان هو

 التأمل في أعماق الذات تأملا يتجاوز في غايته حدود الاستجابة للواقع

الوجدان هو

 كل ما تفيض به النفس من شعور وعواطف وإحساسات

إنه

النفس والحياة والكون

لأن الحياة في نظرهم تنبثق من النفس لتعود إليها

 إن جرد مفهوم الوجدان لدى أعضاء جماعة الديوان يؤكد على اختلافهم في تحديد مفهومه رغم أن منطلقهم واحد، هو أن الشعر وجدان.

ولتقديم هذه المضامين، عمد الكاتب إلى الطريق الحجاجية التفسيرية وإلى المنهجية الاستنباطية؛ حيث استهل النص ببيان دواعي ظهور التيار الذاتي قبل أن يقدم مفهوم الوجدان لدى ممثلي جماعية الديوان والرابطة القلمية.

ومن الأساليب الحجاجية الموظفة في النص نشير إلى ما يأتي:

  • أسلوب المقارنة: ...فقد أراده العقاد ... وفهمه شكري ... أما المازني فقد رأى فيه...
  • أسلوب الإضراب: ... بل إن هذه هي السبيل... 
  • أسلوب الاستنتاج: ... على هذا النحو فهم شعراء المهجر الوجدان.
  • أسلوب التمثيل: ... كما يراها جبران...
  • أسلوب الاستشهاد: ... حين يقرر: "إنه إن لم تعرف حياة الشاعر من ديوانه فما هو بشاعر ولو كان له عشرات الدواوين."
  • أسلوب التفصيل: ... أما شعراء المهجر... فإنهم وسعوا...
  • أسلوب التوكيد: لأن الحياة كما يراها جبران تنبثق من داخل الإنسان...
  • أسلوب الاستدراك: ... لكنها تنبثق من النفس لتعود إليها...
  • أسلوب التعريف: فالوجدان هو النفس...

ولا شك أننا لاحظنا هيمنة الأسلوب الخبري في النص على اختلاف أنواعه، والذي ساهم في التأكيد على الطابع التقريري في النص واللغة المباشرة.

وإلى جانب هذه الأساليب وغيرها وظف الكاتب مجموعة من الروابط الاستدلالية، كأسماء الإشارة: (ثمة – هؤلاء – ذلك...) والضمائر: ( هم – هي – هو...) والأسماء الموصولة: ( الذي) وحروف الجر: ( على – في – الباء – عن...) وحروف العطف: (الواو – بل – الفاء - لكن ...) وغيرها من الأدوات الأخرى كالتوكيد والنفي والتفصيل والتحقيق... وقد عملت هذه الأساليب والأدوات والطريقة المعتمدة في عرض قضايا النص على تحقيق اتساق النص وانسجامه، وبالتالي وضوح أفكاره وتناغمها.

لقد عمل الكاتب إذاً، على بيان دواعي ظهور التيار الذاتي، حين أكد على أنه كان ردة فعل على ما وصل إليه الشعر مع التيار الإحيائي، الذي اتجه نحو محاكاة الأقدمين. ثم انتقل بنا إلى تحديد معنى الوجدان عند ممثلي جماعة الديوان باعتبارها الجماعة التي فتحت الباب للجماعات التي ستأتي بعدها (الرابطة القلمية وجماعة أبولو).

وقد اعتمد المعداوي في تقديمه لمضامين النص على طريقة عرض حجاجية ارتكزت على التفسير وكان من بين أساليبها؛ التوكيد والنفي والإضراب والاستدراك والتعريف وغيرها وعلى مجموعة من الروابط الاستدلالية، وعلى خطة منهجية استنباطية.

ولا شك أننا استطعنا من خلال قراءتنا للنص بين أيدينا، أن نفهم بأن شعراء هذا التيار التجديدي يتفقون على أن الشعر وجدان لكنهم يختلفون في تحديد مفهوم الوجدان، سواء بين أعضاء الجماعة الواحدة كالديوان، أو بين الجماعة والأخرى.

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article